بدء نزول الوحي
تعبده في الغار قبل نزول الوحي
- كان محمد يخلو بغار حراء فيتعبد فيه الليالي ذوات العدد، فتارة عشرا. وتارة أكثر إلى شهر. (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، 26)
- قد اتخذ لنفسه شهرا من أشهر السنة يختلى فيه بغار حراء، وكان حراء نسكا للعرب فى جاهليتهم، كما جاء فى البداية والنهاية لابن كثير، فقد قال «وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يخرج إلى حراء فى كل عام شهرا ينسك فيه، وكان من نسك قريش فى الجاهلية» (أبو زهرة، خاتم النبيين، 1، 266 عن ابن كثير، البداية والنهاية، 3، 5)
- جاءت الصحاح بأنه كان عليه الصلاة والسلام يتحنث (أى يتعبد على الحنيفية السمحة) الليالى ذوات العدد، وكان يتخذ دائما شهر رمضان من كل عام يتزود لذلك، ويبتدى بالذهاب إلى البيت الحرام يطوف به، ويتصدق بالصدقات العظيمة ويطعم الطعام، ثم يذهب إلى غار فى جبل حراء … حتى إذا أتم الشهر وهو رمضان عاد إلى بيته، وقبل أن يأوى إليه يمر بالبيت الحرام، فيطوف، ويتصدق بما بقى معه من زاد، ويطعم الطعام مما بقى له، ثم يأوى إلى خديجة زوجته الطاهرة.(أبو زهرة، خاتم النبيين، 1، 266)
خبر ابن إسحاق أنه كان يذهب إلى الغار بأهله وتفنيده
ولكن روى عن ابن إسحاق فى سيرته عبارة تفيد أنه كان يذهب إلى الغار بأهله، وإليك عبارة ابن إسحاق «كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره للكعبة الشريفة قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله تعالى من ذلك. ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذى أراد الله تعالى به ما أراد من كرامته، من السنة التى بعثه الله تعالى فيها، وذلك الشهر شهر رمضان خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله (سيرة ابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق، 1، 236) وإن هذا الكلام يدل على أن الإيحاء. وهو كان فى الليله التى كانت فيها البعثة النبوية- لم يكن أهله معه، وفيما قبل ذلك كان يكون أهله معه، إذ أنه يصرح بأنه كان يخرج لجواره، ومعه أهله، ولكن لا تجد هذه العبارة فى غير ما نقله ابن إسحاق بل إن معنى الاختلاء والاعتكاف ربما لا يكون متناسقا مع وجود أهله معه، إذ أن معنى الاعتكاف للعبادة يقتضى الابتعاد عن الأهل، والاتجاه إلى الله تعالى واحده. ولهذا نحن نميل إلى رد ما قاله ابن إسحاق، وإن لم يكن ثمة ما يسوغ لنا أن نقول أنه ربما كان يذهب مع أهله ولا يبقون معه، بل يذهبون فى صحبته، ثم يتركونه من بعد فى واحدته وعبادته. (أبو زهرة، خاتم النبيي، 1، 267)
على أي دين كان يتعبد في الغار
وكانت عبادته على دين أبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، 26) ورجحنا فى صدر كلامنا أن يكون قد وصل بالصفاء النفسى، وربما بالرؤيا الصادقة إلى صلاة إبراهيم، فلا عبادة من غير صلاة، فما دامت هناك عبادة لمحمد عليه الصلاة والسلام، صارت رتيبة له، فلابد أن يكون قد اهتدى لصلاة إبراهيم. (أبو زهرة، خاتم النبيي، 1، 268)
نزول الوحي لأول مرة
روايتان (لعائشة وابن إسحاق): أن جبريل جاءه صحوًا وأنه جاءه منامًا. والتوفيق بينهما
نص الروايتين
لقد قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله تبارك وتعالى عنها «إن الوحى ابتدأ بالرؤيا الصادقة، فكان لا يرى الرؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح» وإن ذلك لا يدل على أن ابتداء إنباء الله تعالى لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم كان بالرؤيا الصادقة. ولكنه يدل على أن ابتداء الإشراق الإلهى، والاتصال الربانى كان بالرؤيا الصادقة، والرؤيا الصادقة، وإن كانت جزا من الإلهام الإلهى، وليست هى الوحى الذى يقام عليه التكليف بالنسبة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزا من الوحى» فليست بالنسبة للنبى عليه الصلاة والسلام هى الوحى، وإن كانت بالنسبة لإبراهيم عليه السلام كانت وحيا كاملا، وبالبناء عليها هم بأن يذبح ولده إسماعيل عليه السلام، حتى هداه رب العالمين، كما قال تعالى: وفديناه بذبح عظيم فكانت الرؤيا إنباء. ~~إن المقرر لدى المؤرخين للسيرة الطاهرة أن الوحى ابتدأ بخطاب روح القدس جبريل عليه السلام، ولكن ~~جاء فى سيرة ابن إسحاق أن أول خطاب لجبريل لمحمد عليه الصلاة والسلام كان برؤيا صادقة فى المنام، ثم صحا يحفظها عليه الصلاة والسلام. فقد جاء فى سيرة ابن هشام: «وجاء جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءنى وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ. قلت: ما أقرأ. قال: فغتنى به، حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى، فقال اقرأ فقلت ماذا أقرأ، فغتنى به. حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى، فقال اقرأ قال فقلت ماذا أقرأ ما أقول ذلك الا افتداء لى أن يعود لى بمثل ما صنع بى. فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم. بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم «1» قال فقرأتها، ثم انتهى فانصرف عنى وهببت من نومى، فكأنما كتبت فى قلبى كتابا، فخرجت حتى إذا كنت فى وسط الجبل، سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله، وأنا جبريل، قال: فوقفت أنظر إليه، وما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف عنه وجهى فى افاق السماء فلا أنظر فى ناحية فيها إلا رأيته كذلك، فمازلت واقفا ما أتقدم أمامى، وما أرجع ورائى، حتى بعثت خديجة رسلها فى طلبى، فبلغوا أعلى مكان، ورجعوا إليها وأنا فى مكانى ذلك، ثم انصرف عنى» . (أبو زهرة، خاتم النبيين، 269 - 270)
التوفيق
فالخبر الذى جاءت به الصحاح يفيد بأن الالتقاء بالأمين جبريل عليه السلام كان فى صحو لا فى منام، والثانى يفيد أن الالتقاء كان فى المنام، لا فى الصحو، وإن كانت رؤيا كأنها الصحو، لأنه بعد أن استفاق من نومه تذكر كل ما قال لم ينس منه حرفا واحدا، فكان وحيا بلا ريب، والاختلاف بين الخبرين فى الرواية لا فى أصل المعنى، فهما متلاقيان غير متخالفين. ومع هذا التلاقى فى المعنى، فإن هناك اختلافا فى الواقعة، أكانت فى نوم، أم كانت فى يقظة، وإن الكثيرين من العلماء قالوا مادام المعنى واحدا فى الروايتين وليستا متعارضتين، فإن التوفيق يكون بتكرار الواقعة، وقعت فى النوم، ووقعت فى اليقظة، فهى قد ابتدأت اللقاات بين محمد صلى الله عليه وسلم وروح القدس فى المنام، ثم كانت فى اليقظة والمنام، كان تمهيدا للمجاهرة فى اليقظة. وقد وفق ذلك التوفيق ابن كثير فى البداية والنهاية وبناه على أن قول أم المؤمنين فى رواية للبخارى أول ما بديء به الوحى بالرؤيا الصادقة، فقد قال: «فقول أم المؤمنين عائشة أول ما بديء به الوحى الرؤيا الصادقة، فكان لا يروى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، يقوى ما ذكره ابن إسحاق: ابن يسار عن عبيد بن عمر الليثى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «فجاءنى جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب، فقال اقرأ، فقلت ما أقرأ، فغتنى حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلنى وذكر نحو حديث عائشة سواء، فكان هذا كالتوطئة، لما يأتى بعده من اليقظة، وقد جاء مصرحا بهذا فى مغازى موسى بن عقبة عن الزهرى أنه رأى فى المنام، ثم جاءه الملك فى اليقظة. وقد جاء فى كتاب دلائل النبوة لأبى نعيم الأصبهانى أن ذلك شأن الأنبياء جميعا يأتيهم الوحى ابتداء فى المنام، حتى اذا تهيئوا للقاء الوحى عيانا، جاء إليهم. فقد نقل عن علقمة بن قيس أنه قال: «إن أول ما يؤتى به الأنبياء فى المنام، حتى تهدأ قلوبهم، ثم ينزل الوحى (أبو زهرة، خاتم النبين، 1، 271)
رواية الطبري (الجبل وإلقاء نفسه)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر مجيء الوحي: «ولم يكن من خلق الله أبغض على من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن أنظر إليهما، قال: قلت: إن الأبعد- يعني نفسه- شاعر أو مجنون إلا تحدث بها عني قريش أبدا! لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها، فلأستريحن! قال: فخرجت أريد ذلك، حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد!! أنت رسول الله، وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فوقفت أنظر إليه، وشغلني ذلك عما أردت، فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي، ولا أرجع ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، حتى بلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مقامي، ثم انصرف عني وانصرفت راجعا إلى أهلي «1» حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها- ملتصقا بها مائلا إليها- فقالت: يا أبا القاسم! أين كنت؟ فو الله لقد بعثت في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا إليّ، ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا ابن عم، واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة «2» ، ثم قامت فانطلقت إلى ورقة وأخبرته. فقال: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت، فرجعت خديجة وأخبرته بقول ورقة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف- إلى مكة- لقيه ورقة، وقال بعد أن سمع منه خبره: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى» «3» . (1) نص الطبري 2/ 207. (2) نص ابن هشام 1/ 237- 238. (3) ملخص من ابن هشام 1/ 238. (المباركفوري، الرحيق المختوم، 58 )
ملخصي وتعليقي
رواية ابن إسحاق (التي أوردها ابن هشام) هي أصلاً ما قالوا إنه توفيق، فهي تنص على أنه جاءه منامًا ثم جاءه صحوًا، فما وجه الاختلاف؟؟
نص ما أورده ابن هشام نقلا ًعن ابن إسحاق
«(أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة) : قال ابن إسحاق: فذكر الزهري عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته: أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين أراد الله كرامته ورحمة العباد به، الرؤيا الصادقة، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفلق الصبح. قالت: وحبب الله تعالى إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده.» (سيرة ابن هشام - ت السقا 1/ 234) «(ابتداء نزول جبريل عليه السلام : قال ابن إسحاق: وحدثني وهب بن كيسان، مولى آل الزبير. قال: سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد، كيف كان بدء ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة، حين جاءه جبريل عليه السلام؟ قال: فقال: عبيد- وأنا حاضر يحدث عبد الله ابن الزبير ومن عنده من الناس-: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا، وكان ذلك مما تحنث به قريش في الجاهلية. والتحنث التبرر.» (سيرة ابن هشام - ت السقا 1/ 235) «قال ابن إسحاق: وحدثني وهب بن كيسان قال: قال عبيد: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور ذلك الشهر من كل سنة، يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من شهره ذلك، كان أول ما يبدأ به، إذا انصرف من جواره، الكعبة، قبل أن يدخل بيته، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته، من السنة التي بعثه الله تعالى فيها، وذلك الشهر (شهر) رمضان، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حراء، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته، ورحم العباد بها، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فجاءني جبريل، وأنا نائم، بنمط من ديباج فيه كتاب ، فقال اقرأ، قال: قلت: ما أقرأ ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قال: قلت: ما أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قال: قلت: ماذا أقرأ؟ قال: فغتني به حتى ظننت أنه الموت، ثم أرسلني ، فقال: اقرأ، قال: فقلت: ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي، فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم 96: 1- 5. قال: فقرأتها ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي، فكأنما كتبت في قلبي كتابا. قال: فخرجت حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل، قال: فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل. قال: فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، قال: فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك، ثم انصرف عني.(سيرة ابن هشام - ت السقا 1/ 236 - 237) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص على خديجة ما كان من أمر جبريل معه : وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا [3] إليها: فقالت: يا أبا القاسم، أين كنت؟ فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة «ورجعوا لي، ثم حدثتها بالذي رأيت، فقالت: أبشر يا بن عم واثبت، فو الذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. (خديجة بين يدي ورقة تحدثه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه رأى وسمع، فقال ورقة بن نوفل: قدوس قدوس [1] ، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس [2] الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت. فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة فقال: يا بن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ورقة: والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه [3] ، ولئن أنا أدركت ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه، ثم أدنى رأسه منه، فقبل يافوخه [4] ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله.» (سيرة ابن هشام - ت السقا 1/ 237-238)
نص حديث عائشة من البخاري ومسلم
عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنها قالت: «أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه- وهو التعبّد- الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله يتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتى فجأه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: «ما أنا بقارئ» ؛ قال: «فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (2) … » إلخ. فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره! حتى دخل على خديجة بنت خويلد، فقال: «زمّلوني، زمّلوني» فزمّلوه، حتى ذهب عنه الروع، ثم قال لخديجة: «أي خديجة، ما لي؟» وأخبرها الخبر، ثم قال: «لقد خشيت على نفسي» … قالت له خديجة: كلا، أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل- وهو ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عم: اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي! ما ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجيّ هم؟» قال: نعم! لم يأت رجل قطّ بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك حيّا أنصرك نصرا مؤزّرا. ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي «1» .
_________ (1) حديث صحيح، أخرجه البخاري: 1/ 18- 23؛ ومسلم: 1/ 97- 98، من حديثها. (محمد الغزالي، فقه السيرة، 92)
تفسير السهلي للغط ثلاثًا على أنها شدائد ثلاث ستحصل له
ذكر السهيلي أن الغط ثلاث إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يحصل له شدائد ثلاث ثم يحصل له التدرج بعد ذلك، فكانت الأولى ادخال قريش له صلى الله عليه وسلم في الشعب والتضييق عليه، والثانية، اتفاقهم على الاجتماع على قتله، والثالثة خروجه من أحب البلاد إليه. (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، هامش 3 ص 26)
عودته مرتاعًا إلى خديجة
- فرجع بها عليه الصلاة والسلام يرجف فؤاده مما ألم به من الروع الذي استلزمته مقابلة الملك لأول مرة فدخل على خديجة زوجه، فقال: زملوني زملوني، لتزول عنه هذه القشعريرة فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، 26)
تهدئة خديجة له وذهابها معه إلى ورقة
- قالت خديجة بعدما أخبرها الخبر: كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق .. فانطلقت به حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عم خديجة، وكان أمرأ قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك، فقال يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره عليه الصلاة والسلام خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، (لأنه يعرف أن رسول الله إلى أنبيائه هو جبريل)، ثم قال: يا ليتني فيها جذعا (شابا جلدا) إذ يخرجك قومك، فقال: أو مخرجي هم ؟ قال: لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي. (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، 27). وأضاف ابن جماعة بقية الروية على النحو التالي: “وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة / 7 ظ. أن توفي، وفتر الوحي.” (ابن جماعة، المختصر الكبير في سيرة الرسول، 34)
المصادر التي ذكرت أن خديجة ذهبت بمحمد لورقة:
- الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين
- عز الدين بن جماعة، المختصر الكبير في سيرة الرسول.
بشرى لخديجة من جبريل
وكان موقف زوجه خديجة منه من أشرف المواقف التي تحمد لامرأة في الأوّلين والاخرين، طمأنته حين قلق، وأراحته حين جهد، وذكرته بما فيه فضائل مؤكدة له: أنّ الأبرار أمثاله لا يخذلون أبدأ، وأنّ الله إذا طبع رجلا على المكارم الجزلة والمناقب السمحة؛ فلكيما يجعله أهل إعزازه وإحسانه، وبهذا الرأي الراجح، والقلب الصالح؛ استحقت خديجة أن يحيّيها ربّ العالمين، فيرسل إليها بالسّلام مع الروح الأمين «1» … _________ (1) يشير المؤلف إلى الحديث الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب. فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب. أخرجه البخاري: 7/ 109؛ ومسلم: 7/ 133. (محمد الغزالي، فقه السيرة، 93)
فترة الوحي
وفتر الوحي مدة لم يتفق عليها المؤرخون، وأرجح أقوالهم فيها أربعون يوما. (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، 28)
رواية أنه بدا له أن يرمي بنفسه من قمة الجبل
روى البخاري في كتاب التعبير ما نصه: وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا عدا «1» منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي نفسه منه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك «2» . (1) بالعين المهلة من العدو، وهو الذهاب بسرعة، وفي بعض النسخ «غدا» بالغين المعجمة. (2) صحيح البخاري التعبير باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة 2/ 34. (المباركفوري، الرحيق المختوم، 59)
عودة الوحي
فبينما هو يمشي إذ سمع صوتا من السماء فرفع إليه بصره، فإذا الملك الذي جاءه بحراء جالس بين السماء والأرض، فرعب منه لتذكر ما فعله في المرة الأولى فرجع وقال: دثروني دثروني، فأنزل الله تعالى عليه يا أيها المدثر. (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، 28)
نص حديث رؤيته الملك جالسًا بين السماء والأرض ونزول المدثر
قال الزهري: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديث: “ بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه. فقلت: زملوني. فأنزل الله عز وجل {يا أيها المدثر} إلى قوله {فاهجر} فحمي الوحي وتتابع “. (ابن جماعة، المختصر الكبير في سيرة الرسول، 34)
تعليم جبريل له الوضوء والصلاة في أول الوحي وفرضها بالغداة والعشي
وروى ابن إسحاق وغيره: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم أول ما أوحي إليه فعلمه الوضوء وصلى به. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خديجة فعلمها الوضوء وصلى بها كما فعل جبريل عليه السلام.(ابن جماعة، المختصر الكبير في سيرة الرسول، 35) وعن مقاتل بن سليمان: أن الصلاة فرضت في أول الإسلام ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فرض الخمس ليلة المعراج. (ابن جماعة، المختصر الكبير في سيرة الرسول، 35)
موضوعات جانبية توضع في أماكنها لاحقًا
الأربعة الذين التمسوا الحنيفية قبيل البعثة ورقة وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل
هم أربعة تفرقوا في البلدان يلتمسون الحنيفية دين ابراهيم ورقه بن نوفل وعبيد الله بن جحش أسلم ثم هاجر إلى الحبشة مع امرأته حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة فتنصر وعثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم فتنصر زيد بن عمر وبن نفيل وكان على ملة ابراهيم وعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه قالت رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائما مسندا ظهره إلى الكعبة، يقول: يا معشر قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يحيى المؤودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها، أكفيك مؤنتها، فيأخذها رواه البخاري. (محمد الخضري، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين، 27) انظر سيرة ابن هشام، 1، 222 - فيها كل التفاصيل عن أربعتهم